[color=blue]
النجاة في التقوى
قال تعالى في سورة النساء / 31 { ... ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ...} فهذه وصية جامعة لكل كمال وقد اكتفى سبحانه بذكرها للدلالة على أن من تمسك بها فقد حقق كلَّ المراتب القرب منه . والمطلوب من كل انسانٍ مؤمن أن يهتدي الهداية الصحيحة التي توصله لمعرفتها بكل تفاصيلها ليتسنى له ان يتمسك بها في مرحلتي الأيمان والعمل الصالح ، والمؤمن قد أكرمه الله سبحانه وجعله بين هدايتين : ـالآولى : هداية تكوينية غرسها الله تعالى في فطرته يهتدي بواسطتها الى الهداية التشريعية عقيدةً وسلوكاً وقد بينهما سبحانه في الآيات الخمسة الأولى من سورة البقرة سّمى احدهما {هدىً للمتقين} وهي الهداية الثانية التشريعية بين فيها الركائز الأساسية للأيمان والعمل ، وسمّى الأخرى {أولئك على هدىً من ربهم} وهي الهداية الأولى التكوينية ، والذي يهتدي من خلال الاولى الى الثانية يزيده سبحانه على قدر يقين الايماني واخلاصه السلوكي كما قال تعالى في سورة محمد(صلى الله عليه واله وسلم) /17 {والذين اهتدوا زادهم هدىً وءاتاهم تقواهم} ، ومن خلال هذا الترابط الوثيق بين التقوى والهداية يتبين لنا أن بالتقوى تحصل الأستجابة الحقيقية للهداية التكوينية والتقوى ضرورية ولا بديل للأنسان عنها في الدنيا والآخرة فهي طريق النجاة من كل الشدائد في الدارين ففي الدنيا هي الواقية من الضلالة كما قال تعالى في سورة التوبة / 115 {وما كان الله ليضلّ قوماً بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيئٍ عليم}وهذا وعد الهي بثبوت ووجود الهداية مهما تعمقت الضلالة في النفوس وحالت بين الانسان وبين الوصول اليها وعلى الانسان أن يكتشفها من خلال التفكير العقلي والتدبر النقلي وعندها سيراها جلية في قوله تعالى في سورة الأنعام /153{وأن هذا صراطي مستقيماً فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصّاكم به لعلكم تتقون} فبالتقوى تحصل المعرفة بالصراط المستقيم يستبطن التقوى اذ بها سيحصل التوجه الايماني الى الصراط والتوجه العملي للتمسك السلوكي به ونبذ السبل الآخرى .
وفي أية /155 من سورة الانعام {وهذا كتابٌ أنزلناه مبارك فأتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون} وهنا وصى سبحانه بالتقوى التي دلت على الصراط المستقيم مع اتباع القرآن الكريم فنقل سبحانه المضمون الكلي لتلك الآية وأمر بالتمسك به مع الكتاب لذلك وصى سبحانه عباده أن يسألوه في كل يومٍ في صلواتهم أن يهديهم أن يديم عليهم نعمت الهداية الى الصراط المستقيم لما يحقق لهم الشمولية بالهداية الأيمانية والعمل الصالح وهذا التلازم بين الكتاب والصراط والوصية بالحديث المتواتر قوله (صلى الله عليه واله وسلم) : (( أني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فأنظروا كيف تخلفوني فيهما )) فهذه منافع التقوى في الدنيا .
أما في الآخرة فأن فيها النجاة من أول الشدائد وأهونها الى آخر الشدائد وأكبرها ، وقد قال تعالى عن الأولى من الشدائد {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا . للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الاخرة خير ولنعم دار المتقين . جنات عدنٍ يدخلونها تجري من تحتها الانهار لهم ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين . الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} النحل /30 ـ 32 فبالتقوى ينقله الله سالماً طيباً الى دار السلام ولا يرى من شدائد ليضمن لنا تهوينها علينا وكذلك الشدائد التي تليها ، قال سبحانه في سورة الزمر /61 {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون} وفي آية اخرى يقول تعالى {ثم ننجي الذين اتقوا ونذرُ الظالمين فيها جثيا} مريم / 72 . ثم يبين عظمة جنة المتقين فيقول سبحانه {وسارعواالى مغفرةٍ من ربكم وجنَّةٍ عرضها السموات والارض عدت للمتقين}.
[color:2b0d=blue:2b0d]فالذي من شأنه أن يحيا حياة طيبة ويأمن عقاب الله ، عليه أن يفكر في نفسه فيتوجه الى الله بالتوكل عليه والخشية لينال مرضاته {ان الله بالناس لرؤوف رحيم} . زالحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين